تشهد الساحة الثقافية والدينية في بنغلادش موجة متزايدة من التضييق على الفن الصوفي والغناء الباولي، مع تصاعد نفوذ جماعات إسلامية متشددة تضغط لإسكات المنشدين وإخراج الموسيقى من الفضاء العام. خلال الأشهر الماضية، أُبلغ عن حوادث متعددة شملت تخريب أضرحة صوفية، ومنع فعاليات فنية، وتهديدات مباشرة للفنانين والجهات المنظمة، ما أدى إلى إلغاء عشرات الحفلات والتظاهرات الثقافية التي لطالما شكّلت ركيزة في الهوية الروحية الشعبية للبلاد.
يؤكد فنانون صوفيون ومنظّمون أن وتيرة الاستهداف تسارعت منذ العام الماضي، مع توثيق حالات اقتحام لأضرحة وحلقات ذكر، وفرض قيود غير رسمية على العروض في القرى والبلدات، حيث يتجمّع أفراد من جماعات متشددة أمام مواقع الفعاليات مطالبين بوقف الموسيقى واعتبارها محرّمة. ويشير هؤلاء إلى أن بعض الفرق خفّضت نشاطها للنصف تقريباً، فيما أصبح كثير من الحفلات رهناً بموافقات أمنية دقيقة أو بإعادة البرمجة بعيداً عن الأماكن المقدسة.
تاريخياً، مثّل التصوف في بنغلادش مجالاً رحباً للتعبير الديني والفني، جامعاً بين قصائد الحب الإلهي والألحان الشعبية التي يحملها المنشدون الباول ورفاقهم، وهو تراث أدرجته اليونسكو ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي. غير أن هذا الرصيد الرمزي بات تحت مجهر التيارات السلفية التي تعتبر بعض الممارسات الصوفية “بدعاً”، وتتعامل مع الموسيقى بوصفها تهديداً للفضيلة العامة. وتنعكس هذه الرؤية على الأرض عبر حملات ضغط محلية، تتراوح بين التحريض على المنصات الاجتماعية والتجمهر أمام المسارح والأضرحة، وأحياناً الاعتداء المادي.
تؤكد مصادر رسمية أن السلطات تتابع الملف وتعمل على حماية الفعاليات الثقافية، فيما يقلل بعض المسؤولين من حجم الظاهرة ويضعها في سياق “محدود” يمكن احتواؤه. لكن العاملين في المجال الفني يذكّرون بأن الأثر الحقيقي يقاس بالخوف الذاتي والرادع المجتمعي: منظّمون يترددون في الحجز، رعاة ينسحبون خشية الجدل، وفنانون يتجنّبون السفر إلى مناطق معروفة بتوتراتها. وبهذا، يصبح التضييق غير المعلن أكثر فاعلية من أي حظر رسمي، إذ يفرض رقابة ذاتية خانقة على فضاء فني عاش قروناً من التلاقح الروحي.
الرهان اليوم يتجاوز حماية حفلة أو ضريح؛ فهو متعلق بالحق في التعبير الديني المتنوّع وصون تراث غنيّ يلعب دوراً في بناء الجسور بين المذاهب والطبقات. يتطلب الأمر مقاربة مزدوجة: إنفاذ القانون بحزم ضد التهديد والعنف، وبرامج دعم ثقافي تعيد الثقة إلى المنصات المحلية وتشجّع الإنتاج والتوثيق والعروض الآمنة. كما أن دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام حاسم في فضح حوادث التخويف، وتقديم رواية بديلة تحمي الفن بوصفه جزءاً من الأمن الثقافي للمجتمع لا عبئاً عليه.