يهود متدينون يرفعون أصواتهم ضد الحرب على غزة رغم الضغوط الداخلية

أضيف بتاريخ 09/24/2025
دار سُبْحة

في الأشهر الأخيرة، بدأت أصوات غير معتادة في المجتمع اليهودي الديني داخل إسرائيل والشتات ترتفع ضد سياسة الحكومة الإسرائيلية وحربها المتواصلة على غزة. هذه المواقف، النادرة تاريخياً في الأوساط الدينية، تخرج في الغالب من التيارات الليبرالية أو الأرثوذكسية الحديثة، لتطرح رؤية أخرى تدعو إلى إنهاء القتال وتؤكد أن استمرار العنف سيظل كارثة على الفلسطينيين والإسرائيليين معاً. 



من بين أبرز هذه الشخصيات يبرز الحاخام آفي دابوش، المقيم في كيبوتس نيريم القريب من حدود غزة، والذي نجا من هجمات السابع من أكتوبر لكنه بقي ثابتاً على موقفه الرافض للحرب، متهماً الخطاب الإسرائيلي السائد بتكريس صورة "الضحية الأبدية" التي لا تحقق أي أمن حقيقي. بالنسبة له، الدفاع عن الحياة هو جوهر العقيدة اليهودية، حتى إن دعا ذلك إلى مواجهة صريحة مع التيار الديني المهيمن المعادي لأي حديث عن سلام.  

رفض الحرب لم يعد محصوراً بأفراد متفرقين. ففي يوليو الماضي نشرت رسالة وقّعها نحو 1,200 حاخام من مختلف أنحاء العالم تعبر عن "أزمة أخلاقية خطيرة" يعيشها الشعب اليهودي، وتدين المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين ومنع وصول المساعدات الإنسانية، معتبرة ذلك منافياً للقيم الأساسية لليهودية. هذه الرسالة، غير المسبوقة من حيث عدد الموقعين، جاءت أساساً من حاخامات أميركيين، في سياق تتصاعد فيه داخل الولايات المتحدة انتقادات من منظمات يهودية كبرى مثل *اللجنة اليهودية الأميركية* التي وصفت استخدام المجاعة كسلاح بالحرب بأنه "غير مقبول".  

لكن هذه المواقف تكلف أصحابها ثمناً معنوياً ومؤسسياً. ففي بريطانيا، عُزل خمسة أعضاء في *Board of Deputies of British Jews* بعد توقيعهم مقالاً في *فايننشال تايمز* ينتقد وقف وقف إطلاق النار. وفي الولايات المتحدة، اعتُقل عدد من الحاخامات خلال مظاهرات مناهضة للحرب. أما في فرنسا، فقد أثارت الحاخامة ديلفين أورفيلور جدلاً حاداً بعد نشرها مقالة تنتقد السياسة الإسرائيلية، لتُتهم بأنها "تهدد أمن إسرائيل" أو "تعطي ذخيرة للأعداء"، بينما ردت بأنها ستواصل الكلام "لأجل صهيون" مستشهدة بآية من سفر إشعياء.  

في هنغاريا، ظهرت المعارضة من أوساط علمانية واسعة داخل أكبر جالية يهودية في أوروبا الوسطى. عريضة قادتها الفنانة فيرا يوناش حملت أكثر من ألف توقيع من أكاديميين وصحفيين وفنانين، تندد بالرقابة الداخلية في الجالية وغياب أي نقاش حر حول الحرب، وتربط الصمت بخطر تكرار مآسي التاريخ اليهودي في البلاد. ورغم انقسام الآراء حول تفاصيل العريضة، إلا أنها أطلقت جدلاً حقيقياً حول حرية التعبير داخل المجتمع اليهودي.  

المداخلات الدينية الأخرى بقيت من تيارات أصغر حجماً. الحاخام موشيه سيلفر في القدس الشرقية، وهو ممن تلقوا رسامتهم الحاخامية وفق ما يسمى الأرثوذكسية الحديثة، اعتبر أن مفهوم "الشعب المختار" أصبح عائقاً أمام الدولة الحديثة، مشيراً إلى أنه خسر أصدقاء كثر بسبب مواقفه وأنه بات يفكر في مغادرة إسرائيل. كذلك، توجه ثمانون حاخاماً من أوروبا في أغسطس الماضي بمذكرة جماعية تدعو إلى "وضوح أخلاقي" ورد يهودي مسؤول على الأزمة الإنسانية في غزة، من بينهم الحاخامات الأكبر في بولندا والدنمارك والنرويج، إضافة إلى كبير حاخامات إيرلندا السابق.  

ومع ذلك، تبقى هذه الأصوات النقدية أقليات معزولة أمام خطاب ديني قومي سائد في إسرائيل يطالب بإبادة غزة أو تهجير سكانها، خطاب لا يزال يتمتع بشرعية اجتماعية وسياسية كبيرة. المفارقة أن كل كلمة انتقاد من داخل الدوائر الدينية اليهودية تُستقبل كخيانة من البعض وكشجاعة تاريخية من آخرين، ما يعكس انقساماً عميقاً داخل المجتمعات اليهودية حول معنى الولاء، حدود الأخلاق، ومصير العلاقة بين الدين والدولة في زمن حرب متواصلة.