يناقش الفيلسوف الفرنسي لوك فري، في مقال نُشر بجريدة "لوفيغارو"، الأسئلة الجوهرية حول أصل الدين والفكر الماورائي. يستعرض الكاتب نقاشًا دار خلال أحد اللقاءات الصيفية، حيث طرح الحاضرون نظرية ترى أن الأديان ظهرت أساسًا لإقرار نظام اجتماعي مثل الزواج الأحادي لضبط النزاعات حول العلاقات العاطفية في المجتمعات القديمة. ويبرز المقال مثال حرب طروادة التي اندلعت بسبب قضية حب، كدليل على هذا الطرح الاجتماعي لنشأة الدين.
مع ذلك، يرفض فري هذا الحصر، معتبرًا أن نشأة الأديان والمعارف الفلسفية مرتبطة أكثر بتجربة الموت والمواجهة الوجودية لفناء الإنسان. يستحضر الكاتب رؤية شوبنهاور الكلاسيكية، التي تعتبر أن الموت هو الدافع الأعظم لسؤال ما وراء الطبيعة؛ فالفلسفة والدين يظهران كرد فعل عميق على إدراك الإنسان لانتهاء حياته. ويشير إلى أن "الموت هو الجنيّ الملهم للفلسفة"، إذ لا يحتاج الحيوان ولا الإله لمثل هذه التأملات، لافتقادهم إما للوعي بالموت أو لتجاوزهم له.
ويرى شوبنهاور، حسب ما تلخصه "لوفيغارو"، أن الحاجة لمواساة الإنسان أمام مصيره المحتوم هي الدافع الأساسي لظهور الأنظمة الدينية والفلسفية عبر العصور. فالملحمة الأولى في تاريخ البشرية، جلجامش، تروي صدمة البطل بفقدان صديقه وانطلاقه بحثاً عن الخلود، ما يعكس هذا الهاجس العميق. ويختتم فري بأن جميع الأديان والفلسفات تسعى للإجابة عن سؤال النهاية الحتمية: كيف يمكن العيش بطمأنينة والتصالح مع محدودية الكينونة البشرية، ما دامت الحكمة الحقيقية تكمن في التأقلم مع هذا المصير.


