تحتل الديانة المسيحية مكانة مركزية في المشهد السياسي والاجتماعي الأمريكي، حيث أصبحت العلاقة بين الدين والدولة أكثر تلاحماً في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل صعود تيار الثيوقراطية الشعبوية الذي يدعو لجعل الدين في قلب القرار السياسي لإنقاذ الحضارة الأمريكية مما يراه انحرافاً عن القيم التقليدية. هذا التحول يتجلى بوضوح في الخطاب السياسي الحديث الذي يوظف الرموز الدينية في حفلات التنصيب والاحتفالات الوطنية، ويختم كل مناسبة رسمية بدعاء "ليبارك الله الولايات المتحدة".
التحالف بين البروتستانت الإنجيليين والكاثوليك المحافظين كان حجر الأساس لهذا المشروع منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ فقد تقاطع خطاب هؤلاء مع أجندات النخب اليمينية لتشكيل أغلبية دينية تدعم السياسات المحافظة، خاصة أثناء عهد الرئيس دونالد ترامب. رغم أن ترامب نفسه ليس متديناً، نجح في استقطاب المسيحيين كقوة انتخابية مهيمنة عبر تبني مطالبهم وحشد دعمهم لقضايا اجتماعية وسياسية تمس الهوية الأمريكية من وجهة نظرهم.
تلعب الموسيقى الدينية، وخاصة نمط "العبادة" المسيحية، دوراً محورياً في التعبئة الجماهيرية ونشر الخطاب الإنجيلي، حيث أُدخلت موسيقى الروك والهيب هوب وغيرها من الأنماط المعاصرة إلى الطقوس الدينية لتستهوي الشباب وتربطهم بقضايا الإيمان والهوية[4]. وتحوّلت المناسبات الكبرى إلى مزيج من الاحتفاء الديني والسياسي، كما في جنازات الشخصيات المحافظة الشهيرة، أو الحملات الانتخابية لرؤساء أمريكا.
في الوقت نفسه، ينعكس هذا التناغم بين الدين والسياسة على سياسات الدولة في ملفات حساسة مثل الإجهاض والحقوق المدنية، مع تنامي نفوذ الأحزاب اليمينية الدينية في اختيار القضاة وسنّ القوانين. ومع تعمّق ظاهرة الثيوقراطية الشعبوية، تتصاعد المخاوف من تراجع مبدأ الفصل بين الدين والدولة وتأثير ذلك على مستقبل الديمقراطية الأمريكية وتنوع المجتمع.


