التعليم الإسلامي في فرنسا بين ضعف البنية وتوجس الدولة

أضيف بتاريخ 10/17/2025
عبر صحيفة لاكروا


بعد أكثر من عقدين على تأسيس أول مدرسة مسلمة خاصة في فرنسا، لا يزال التعليم الإسلامي في البلاد يعاني من هشاشة تنظيمية وتربوية وسياسية تعيق توسعه واستقراره. فبرغم الرمزية التي يمثلها افتتاح ثانوية "ابن رشد" في مدينة ليل عام 2003، لم يتجاوز عدد المؤسسات الإسلامية الخاصة 121 مدرسة في 2025، تستقبل ما بين 13 و14 ألف تلميذ فقط، وهو رقم ضئيل مقارنة بعدد الأطفال المسلمين في فرنسا. من بين هذه المؤسسات، سبع فقط ترتبط بعقود تعاون رسمي جزئي مع الدولة.  

يرى الباحث في علوم التربية سيباستيان فيدا أن نشأة هذا النموذج من التعليم جاءت استجابةً لاحتياجات ثقافية ودينية واجتماعية جديدة في مطلع الألفية، خصوصًا بعد صدور قانون منع الرموز الدينية في المدارس الحكومية عام 2004. ومع ذلك، بقيت هذه المؤسسات محدودة وتفاوتت في توجهاتها، إذ تنقسم اليوم إلى ثلاثة محاور: مدارس مرتبطة بفيدراليات قريبة من جماعة الإخوان المسلمين أو التنظيم التركي "ميلي غوروش"، مدارس مستقلة ترى في الإسلام مكوّنًا ثقافيًا، وأخرى ذات توجهات سلفية أو "تبليغية" ترفض التعامل مع الدولة.  

تتجلى الأزمة الأساسية، بحسب الباحثين، في افتقار هذا القطاع إلى المهنية التعليمية والتنظيم المؤسسي. فالمظلة الرسمية المسماة "الفدرالية الوطنية للتعليم الإسلامي الخاص" التي تأسست عام 2014، بمبادرة من "مسلمي فرنسا" (التي كانت تُعرف سابقًا بالاتحاد الإسلامي UOIF)، لم تنجح في بناء شبكة فعالة تضمن تبادل الموارد والتجارب بين المدارس. هذه الفجوة التنظيمية أدت إلى إغلاق عدد من المؤسسات وفشل عشرات المشاريع الجديدة. ويشير بعض المختصين إلى مظاهر ضعف التكوين لدى المدرسين ما تسبب في تراجع المستوى التربوي في بعض المدارس غير المعتمدة.  

إلى جانب الصعوبات الداخلية، يُضاف منذ عام 2015 توجّه سياسي حذر بل ومتوجّس تجاه هذه المدارس، خاصة بعد موجة الهجمات الإرهابية في فرنسا. فمنذ ذلك التاريخ صار كل مشروع جديد محلّ تدقيق مضاعف، بينما تباطأ تحويل المدارس إلى مؤسسات معتمدة من الدولة. هذا التراجع ترافق مع تشديد الإطار التشريعي بدءًا من قانون غاتيل 2018 مرورًا بقانون بلانكيه 2019 وصولًا إلى قانون "الانفصالية" عام 2021، وهي منظومة تشريعية تهدف إلى مراقبة المدارس بشكل أدقّ ومنع أي انغلاق ديني محتمل.  

المؤسسات التاريخية مثل "ابن رشد" في ليل و"الكندي" قرب ليون و"ابن خلدون" في مرسيليا أصبحت بدورها في قلب الجدل العام بسبب صلات مفترضة بجماعة الإخوان المسلمين. وأدت التحقيقات المتكررة إلى إلغاء عقود وإجراءات قضائية مستمرة؛ ففي حين خسر "الكندي" عقده الإداري بداية عام 2025 لأسباب تتعلق بالمناهج والحوكمة، أعيد تثبيت "ابن رشد" في ليل بقرار قضائي أنصفه، معتبرًا أن فسخ العقد معه لم يستند إلى مخالفات قانونية واضحة.  

بهذا المشهد، يبدو أن مستقبل التعليم الإسلامي في فرنسا يظل رهيناً بمعادلة معقدة بين رغبة جزء من المسلمين في تعليم متجذر في الهوية والروحانية، وبين سعي الدولة إلى ضمان حياد المدرسة ومبادئها الجمهورية. هذه العلاقة المتوترة بين المبادرة الدينية والرقابة السياسية تضع القطاع أمام تحدٍّ مزدوج: الحفاظ على الجودة الأكاديمية من جهة، وتبديد الشكوك المؤسساتية من جهة أخرى.