في فرنسا، تتكرّس منذ سنوات معادلة خاطئة: كلّ ظهور علني لممارسة دينية إسلامية يُختزل في «إسلاموية». الجدل الذي أعقب استطلاع «إيفوب» حول تدين المسلمين في نوفمبر 2025 أعاد إنتاج هذه القراءة المتعجّلة، فيما يلفت أوليفييه روا إلى أن سوء الفهم المنهجي للدين، مقروناً بصعود خطاب الإسلاموفوبيا، هو ما يغذّي «الهلع الأخلاقي» الحالي.
يتحدّث روا عن «إعادة أسلمة» ليست مشروعاً سياسياً، بل إعادة بناء للمارسة والالتزام الفردي داخل مجتمع فقد سنداته الثقافية الدينية. ظهور الإسلام في فرنسا بفعل الهجرة الكبيرة منذ ستينيات القرن الماضي ترافق مع تراجع المسيحية اجتماعياً، فاجتمع مستويان من المرئية: بروز دين جديد مقابل انحسار الدين التقليدي، ثم تسييس الإسلام في المشرق والمغرب وما لحقه من تهديد أمني هامشي. في هذا الإطار، تُقرأ كل ممارسة — من الحجاب إلى الصلاة أو الصوم — كإشارة إلى مشروع أيديولوجي، بينما تتحوّل «العلمانية» من مبدأ قانوني ينظّم العبادات إلى أيديولوجيا تُقصي الدين من الفضاء العام.
الخلفية السياسية لاستطلاع «إيفوب» تُهمّ أيضاً: فجهة التكليف، وهي «Écran de veille» التابعة لـ«Global Watch Analysis»، مرتبطة بمواقف إماراتية معروفة في حربها بالوكالة ضدّ الإخوان المسلمين. هذا الانحياز ينعكس في طريقة الصياغة: استعمال «إسلامي» بلا تعريف، وخلط السلفية بـ«الوهّابية» و«الإخوان» وحتى «التكفيريين». حين تُبنى الأسئلة على تصوّرات مسبقة، تُنتج أرقاماً تبدو مثيرة لكنها مضلِّلة دلالياً.
قراءة الأرقام نفسها تقود إلى خلاصة معاكسة: إذا قال 15% من الشباب المسلمين إن «الشريعة» يجب أن تُطبّق في كل مكان، فإن 47% يرون أنها لا تُطبّق في البلدان غير المسلمة، و31% يعتبرون أنها قابلة للتكيّف. هذا يعني أن غالبية واضحة ترى إمكان العيش وفق مبادئ الإيمان داخل المجتمع الفرنسي. فهم «الشريعة» لدى المؤمنين يرتبط أساساً بـ«العبادات» والتمييز بين الحلال والحرام، بينما تُختزل لدى كثيرين خارج الإسلام في عقوبات جسدية؛ وهو فرق مفاهيمي يتسبب في سوء قراءات إعلامية وسياسية متكررة.
المسألة الجيلية محورية. يرى روا أن زيادة «مرئية» المتدينين الشباب نتاج اندماج اجتماعي أوسع لا انفصال؛ فالمطالبة بالاعتراف بالعلامات الدينية ترافق الصعود التعليمي والمهني. في المدارس، يتقاطع هذا مع ردّ فعل على علمانية عقابية تُراقب اللباس وتضيّق النقاش الديني، فتتخذ الممارسات أحياناً شكل «موضة» أو اختبار حدود اجتماعية أكثر من كونها تعبيراً عقائدياً صارماً.
خارج الصورة النمطية لـ«مناطق إسلامية» معزولة، تتوسّع طبقة وسطى مسلمة وتدفع أبناءها إلى الدراسة والاندماج. هنا يظهر خطاب «الاختراق» مكان «الانفصال»: فحين يصبح المسلمون أطرًا ورواد أعمال ومحامين وصحفيين وأساتذة، تُقرأ ملاءمتهم لمؤشرات التدين — كتنظيم وقت العمل حول صلاة أو صوم رمضان — كأنها تمكين سياسي. ومع ذلك، لا يوجد «تصويت مسلم» موحّد ولا حزب ديني؛ بل إن الدولة هي التي تحاول «تجميع» المسلمين مؤسسياً منذ التسعينيات عبر هيئات تمثيل ديني لا تحظى بإجماع فعلي.
المشهد ليس أحادي الاتجاه داخل المسيحية أيضاً. فظاهرة «Born Again» تمتدّ من أوساط بروتستانية هامشية إلى «نيو-كاثوليك» من الطبقة الوسطى، مع تلاقٍ اجتماعي متزايد بين متديّنين شباب من خلفيات مختلفة — يتجلى مثلاً في المدارس الكاثوليكية التي تستقبل طلاباً مسلمين — بما ينتج أشكالاً من المحاكاة المتبادلة مثل عودة الاهتمام بالصوم بالتوازي مع رمضان. وقائع حديثة أكدت هذا التداخل حين دعمت إدارات التعليم الكاثوليكي طالبات محجبات خلال زيارة مؤسساتية رسمية.
رغم ارتفاع الممارسة، لا تتجه الظاهرة عند المسلمين إلى «مأسسة» دينية أقوى: لا زيادة تُذكر في «الدعوات» إلى الإمامة، والكثير من المساجد يعتمد انتقالاً عائلياً في القيادة أكثر مما يبني جهازاً تعليمياً حديثاً للأئمة. هذا يعضد رؤية روا لكون المؤمن مواطناً كاملاً في «مدينتين» متجاورتين لا متنافيتين: يمكن الجمع بين الالتزام الديني الكامل والالتزام المدني الكامل، بينما استدعاء فكرة «اندماج الدين والسياسة في الإسلام» يُستخدم غالباً لتبرير توظيف الدين سياسياً لا العكس.


