الأيقونة في المسيحية ليست مجرد لوحة فنية، إنما تعتبر نافذة روحية تطل على العالم الآخر وتجسد حقائق لاهوتية عميقة ترتبط بالمسيح أو العذراء أو القديسين أو أحداث الكتاب المقدس. تصنع الأيقونة بأسلوب فني خاص يلتزم اعتبارات روحية وتقليدية، وغالبًا ما تصاحب عملية رسمها صلوات وتأملات عميقة لكي تكون العمل الفني أداة تعبدية ترفع الناظر من الأرضيات نحو السمو الروحي.
مصطلح "أيقونة" يعود إلى الكلمة اليونانية "εἰκών" التي تعني "الصورة" أو "المثال". وتتميز الأيقونة الأرثوذكسية بجمعها بين الرسم والرمز، كما تعتمد على قواعد صارمة في التصوير بهدف نقل مضمون روحي يتجاوز العلاقات الجمالية البحتة. وينظر التقليد الشرقي للأيقونة باعتبارها نافذة على الملكوت، فهي ترمز لحضور الله وتعمل كوسيلة تعليمية ضمن الحياة الدينية.
الأيقونة تشكل جزءًا من الليتورجيا والتعليم في الكنيسة؛ فهي تستخدم في الصلاة والتعبد، وتقوم بدور تربوي بين المؤمنين، وتساعد على عيش الخبرة الروحية والانفتاح على أسرار الإيمان. يقال عنها إنها "كتاب مقدس مفتوح" بلغة الألوان حيث تحمل رسائل خاصة وتساعد على تعميق الخبرة الروحية لدى المؤمن.
نشأ فن الأيقونة البيزنطية في القرن الرابع الميلادي متأثرًا بالفنون الإغريقية والمصرية، ومرت بمحطات تاريخية مهمة من بينها "حرب الأيقونات البيزنطية" والتي تميزت بمعارضة استخدام الأيقونات وتعرضها للتدمير في مراحل معينة من تاريخ الكنيسة، قبل أن تصبح جزءا أساسيا من الحياة الدينية والعقيدة في الكنائس الشرقية.
تتضمن الأيقونة رموزًا لاهوتية متنوعة؛ الهالات حول الرؤوس للدلالة على النعمة، الألوان مثل الأحمر للدلالة على الحب الإلهي أو الذهب للنور السماوي والأزرق للنقاء، وتشمل رموزًا أخرى كالحمل والسمكة والصليب، وكلها تحمل معاني تعكس مراحل التدبير وحقيقة الإيمان المسيحي.
صناعة الأيقونة تمر بأسلوب تعبدي، حيث تبدأ وترافق عملية الرسم بصلاة مستمرة طلبًا للإلهام الروحي. تعلم الممارسة التواضع والصبر، وتعتبر فناً ينقل عقيدة الكنيسة ويعمق الفهم الروحي للإنسان، وتشارك الأيقونة في الطقوس الكنسية من الصلاة الفردية إلى الاحتفالات الجماعية.
ليست الأيقونة مجرد زينة أو تعبير عن الجمال الظاهري، فهي أداة روحية تحمل نعمة إلهية ومصدر بركة، تباركها الكنيسة وتعتبرها مكافئة للكلمة المكتوبة في التقليد. يظهر في الأيقونة حضور الله بين البشر وتعمل على تجسيد الحياة السماوية من خلال لغة بصرية يفهمها الجميع.
من بين الأيقونات الشهيرة "أيقونة السيد المسيح الضابط الكل" في دير القديسة كاترين بسيناء، إلى جانب أيقونات العذراء والقديسين التي تتوزع في الكنائس كرمز للبركة والحماية، وتعد جزءًا من التراث الروحي والذاكرة الجمعية للشعوب المسيحية.

