الغولِم... المخلوق الذي تحدّى الخالق

أضيف بتاريخ 10/18/2025
دار سُبْحة

تتناقل الأساطير الشعبية والكتابات الدينية اليهودية قصة كائن فريد يُعرف باسم الغولِم، وهو مخلوق من طين يُنفخ فيه شيء من القوة الإلهية ليؤدي مهمة محددة، غالباً لحماية قومه من الشر أو الاضطهاد. تعود جذور كلمة «غولِم» إلى العبرية גולם التي تعني «الجنين» أو «الكتلة غير المتشكلة»، وقد وردت في المزامير كمجاز عن الإنسان قبل أن يُمنح روحاً وعقلاً. لكن مع مرور العصور، تحوّل الغولِم من رمز ديني إلى أسطورة إنسانية تحمل في طياتها معاني الخلق والتمرد. 



تُروى أشهر قصة عن الغولِم في براغ في القرن السادس عشر، حين صنع الحاخام لَو بن بيتسائيل، المعروف بالـ"مهارال"، مخلوقاً من طين ليحمي الجالية اليهودية من الاعتداءات. حيّي الغولِم بكتابة كلمة "إيمِت" العبرية على جبينه، أي «الحق» أو «الحقيقة»، لكن حين شاء الحاخام إعادته إلى التراب، محى الحرف الأول لتحويلها إلى "مِت"، أي «الميت». وهكذا عاد الغولِم إلى جموده، تاركاً خلفه أسطورة تتجدد جيلاً بعد جيل.  

تُمثّل هذه القصة أكثر من مجرد خرافة؛ فهي استعارة لعلاقة الإنسان بخالقه، ولرغبته في تجاوز حدوده الطبيعية. الغولِم عبد مطيع لا يملك إرادة أو نطقاً، لكنه أيضاً مرآة لصانعه، يذكّره بحدود سلطته وبنتائج طموحه حين يحاول أن «يخلق» بنفسه. في بعض الروايات، يتمرّد الغولِم على خالقه، فيتحوّل من حامٍ إلى مدمّر، وكأن الأسطورة تحذر من خطر تجاوز الإنسان لحدود القدرة الإلهية.  

لقد ألهمت فكرة الغولِم العديد من الأعمال الفنية والأدبية الحديثة، من قصة «فرانكنشتاين» إلى شخصيات الخيال العلمي التي تجمع بين التقنية والروح، بين الآلة والإنسان. عبر العصور، ظل الغولِم رمزاً للخلق الصناعي وللسؤال الأخلاقي حول من يحق له أن يمنح الحياة، وما الذي يحدث حين تفقد المخلوقات الجديدة السيطرة على خالقها.  

الغولِم ليس مجرد رمز أسطوري غابر، بل مرآة معاصرة لتحديات الذكاء الاصطناعي والروبوتات الحديثة، حيث يعيد طرح السؤال ذاته: ماذا يحدث عندما تصنع البشرية شيئاً يشبهها أكثر مما تدرك؟