وثيقة ‘‘نوسترا أيتاتي’’…

أضيف بتاريخ 10/29/2025
دار سُبْحة


تنص الوثيقة في فقراتها الأساسية على ضرورة احترام الكنيسة لكل ما هو حق ومقدس في الديانات الأخرى، وتدعو إلى الحوار الصريح والمعمّق لضمان التفاهم والتقارب وتجاوز قرون من سوء الفهم والتحيز. بالنسبة للعلاقة اليهودية المسيحية، تصر الوثيقة على أن جذور الإيمان المسيحي متأصلة في أبناء إبراهيم وموسى والأنبياء، وأن المسيح جاء بالمصالحة بين اليهود وغير اليهود، رافضة قطعياً فكرة "قتل الإله" ومبرزة مكانة الشعب اليهودي وتعاليم القديس بولس ونصوص الإنجيل في هذا المجال.

أما في ما يتعلق بالإسلام، تؤكد ‘‘نوسترا أيتاتي’’ على أن المسلمين يعبدون الله الواحد ويجتهدون في حياة أخلاقية فردية واجتماعية، مع الاعتراف بدورهم وتاريخهم في الإيمان بإبراهيم وأهمية احترامهم. أُدخلت تعديلات عدة على هذه الفقرة بعد مناقشات مطولة بين أساقفة الكنيسة لتكون أكثر شمولاً واعترافًا بحقيقة الديانة الإسلامية وموقعها في تاريخ الخلاص.

لم تتوقف الوثيقة عند اليهودية والإسلام، بل امتدت لتشمل الهندوسية والبوذية، مشيرةً إلى القيم الروحية في كل الديانات، وداعية إلى نبذ أي شكل من أشكال الإقصاء أو العنصرية أو التمييز العرقي أو الديني.

وفي الذكرى الستين لإصدارها، يبرز دور ‘‘نوسترا أيتاتي’’ في التحول من الاشتباه إلى الاحترام، وفي تعزيز ثقافة العدالة والسلام والتعايش بين مختلف الأديان، مقدمة نموذجًا للتقارب والتضامن في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. كما حفزت الوثيقة جهود البابا يوحنا بولس الثاني لجمع قادة أديان العالم للصلاة من أجل السلام عام 1986 في أسيزي، وتطوير آليات الفاتيكان للتقارب مع اليهودية وتعزيز الاعتراف المتبادل مع جميع الطوائف.

لذلك تظل ‘‘نوسترا أيتاتي’’ حتى اليوم من أكثر الوثائق تأثيرًا في الفكر المسيحي وتأسيسًا لهذه المرحلة الجديدة في الحوار بين الأديان، إذ أصبحت مرجعية أخلاقية وروحية تدعو الكنيسة وأتباعها إلى تجاوز الماضي والتأسيس لمستقبل منفتح يقوم على الحوار والاحترام المتبادل والعدالة.