يُمثّل كتاب “تقديم لوط ابنتيه لقومه في التوراة والقرآن” للدكتور عايض الدوسري دراسة مقارنة معمقة بين الروايات الدينية الكبرى حول قصة النبي لوط وابنتيه، كما وردت في نصوص التوراة والقرآن الكريم. يتناول المؤلّف هذا الحدث من زاوية تحليلية نقدية تبرز التشابهات والاختلافات وتضيء على الأبعاد الأخلاقية والرمزية التي رافقت حضور القصة في كلّ من التراثين الإسلامي واليهودي.
يركّز الدوسري، وهو أستاذ وباحث متخصص في مقارنة الأديان، على المقاطع الخاصة بعرض لوط لابنتيه على قومه، مبيّناً كيف تعامل علماء الشريعة، وأهل التفسير، ورجال الدين من الطرفين مع هذا الحدث عبر القرون، خصوصاً فيما يتعلق بالانتقادات الأخلاقية والاشكالات الفكرية التي أثارتها هذه الرواية. الكتاب يُقسم إلى ثلاثة مباحث: صورة لوط في الكتاب المقدس والقرآن، وحدود العصمة الأخلاقية للنبي عند المسلمين واليهود، ثم تفسيرات الآيات والمقاطع في كلا النصين الدينيين.
يرى المؤلّف أن السياق القرآني يختلف عن رواية التوراة في عدة نقاط جوهرية: ففي القرآن، يُبرز لوط كنبي في سياق مقاومة الفاحشة، بينما يظلّ الحدث في التوراة محور نقد فلسفي وأخلاقي من مفكرين مثل فولتير وليو تاكسيل، الذين رأوا في عرض لوط لابنتيه تصرفاً صعب الفهم أخلاقياً ضمن منظومة الأنبياء. يشرح الدوسري كيف أن علماء الإسلام تعاملوا مع الرواية بحذر، وفسروها في إطار إعجاز النبي وتقديم المصلحة العظمى للنجاة من القوم الفاسدين، في حين أنّ الرؤية المسيحية واليهودية أفسحت المجال لأبعاد أكثر رمزية ونقدية.
يركّز الكتاب أيضاً على كيف أضحت قصة لوط وابنتيه في التوراة موضوعًا للجدل الأخلاقي والفكري في العصر الحديث، ثم يستعرض مقاربات النسوية المعاصرة وآراء منتقدي الأديان. ويخلص الدوسري إلى أن فهم هذه القضية يتطلب مراعاة السياق التاريخي والديني وموقع النبي لوط ضمن منظومة الأنبياء في النصين الدينيين.
أصدر الكتاب مركز تكوين للدراسات والأبحاث بطبعة ورقية فاخرة عام 2022، وجاء في نحو 135 صفحة، ليجسد نموذجاً عربيًا حديثًا للبحث الديني الأكاديمي المقارن. تتمثل أهمية العمل في قدرته على إلهاب الحوار الأكاديمي حول القصص المشتركة بين التقاليد الدينية وتقريب الفهم النقدي العربي المعاصر للموروثين الدينيين اليهودي والإسلامي.




