في تقرير نشرته وكالة *Associated Press*، جرى تسليط الضوء على الطقوس الاستثنائية التي يشهدها معبد إيسه في اليابان، أهم موقع مقدس في الديانة الشنتوية، حيث تعاد عملية الهدم وإعادة البناء بالكامل كل عشرين سنة منذ أكثر من 1,300 عام. هذا التقليد، الذي يتخلله قطع أشجار السرو الضخمة في جبال ناغانو بمراسم دقيقة الطابع ومفعمة بالرمزية، يعكس فكرة الدوران الأبدي للحياة ويجسد فلسفة تقوم على التجدد المستمر.
يصف التقرير مشاهد كأنها تنتمي إلى الزمن الأسطوري: الكهنة بزيهم الأبيض يراقبون قواطع الأشجار وهم يهزون فؤوسهم وفق إيقاعات منسقة، قبل أن يصرخوا «الشجرة تسقط!» على وقع هدير الطبيعة. هذه الأخشاب المقدسة ستشكل المادة الأساسية لبناء المعبد من جديد، في دورة تستغرق تسع سنوات وتشمل 125 مبنى، وأكثر من 1,500 قطعة من الملابس والأدوات الطقسية التي يعاد إنتاجها بعناية وفق تقاليد متوارثة. الفكرة ليست فقط في إنشاء معمار مادي، بل في ترسيخ رسالة رمزية تعلن أن قدسية المعبد تستمد قوتها من البقاء في حالة تجدد لا نهائية.
أوضح الباحث نوبورو أوكادا من جامعة كوغكان أن إعادة الإعمار، التي بدأ توثيقها في القرن السابع الميلادي، لم تتوقف سوى مرتين في التاريخ الحديث: خلال الحروب الأهلية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية. أما يوكيو ليبيت من جامعة هارفارد فقد اعتبر أن تميّز معبد إيسه يكمن في استمراريته النادرة، في حين أن معظم المعابد الأخرى تخلت عن هذا التقليد تحت ضغط الزمن والظروف.
المقال نقل أيضاً شهادات المشاركين والزوار، الذين تحدثوا عن شعور غامر بالخشوع والدهشة. الكاهن الشنتوي يوسوكي كوانيشي شرح أن إعادة البناء ليست هدماً بل استقبال جديد للإلهة، معتبراً أن مرور عقدين يجعل من الطبيعي أن يعاد تشييد المعبد ليكون طازجاً وجميلاً. أما مواطنة محلية تدعى يوريكو مايدا، وصفت عبورها الجسر إلى المعبد بأنه تجربة تحول مادي وروحي، حيث يتغير تنفسها وإحساسها بالصوت والريح، لتشعر براحة عميقة لا توصف.
الطقوس نفسها تعكس علاقة عميقة مع الطبيعة. فالكهنة لا يقطعون الأشجار دون طلب الإذن من آلهة الجبال، والنجارون يتعاملون مع خشب السرو كما لو كان كائناً حياً يبكي لحظة سقوطه، في تعبير روحي عن إدراك قيمة الحياة في كل أشكالها. الباحث سوجو إيكيـدا، المختص في الحفاظ على هذا التراث، يرى أن مراسم إدخال جذع شجرة في الساق المقطوعة لشجرة أخرى تمثل دعاءً لاستمرار دورة الغابة وتجددها.
من خلال هذه الدورة التي تتكرر مرة كل جيل، يصبح معبد إيسه رمزاً لزمن مختلف حيث الفناء لا يعني الانتهاء بل بداية تجدد جديد. وهذا ما يجعل ملايين الحجاج يتدفقون إلى المكان ليشهدوا لحظة نادرة يستشعرون فيها عُمق قديم يجاور معاصرتهم. كما كتبت المصورة ميوري إيناتـا في كتابها عن هذه الطقوس: «ما وقع أمامي اليوم هو نفسه ما حدث قبل 1,300 عام وسيستمر في الحدوث، المرة تلو الأخرى، إلى ما لا نهاية.»