جماعة مخالفة وجماعات مجذفة كتاب بحثي معاصر لعبد الله العلوي، يقدّم قراءة في ظاهرة الفرق والجماعات الإسلامية ذات البعد الاعتراضي أو “الرافضي” في التاريخ والفكر السياسي الديني، مع تخصيص حيز للتشيع الإمامي والزيدي وتفرعاتهما. يميل الكتاب إلى مزج التناول التاريخي بالعقائدي والسياسي، واضعا الحركات المدروسة في سياق تشكلها الاجتماعي والنفسي، ومبرزا كيف تحوّلت من خلافات في الإمامة والعقيدة إلى مشاريع جماعية تسعى إلى بناء هوية مغايرة ومتمايزة عن “الجماعة الأم”.
ينطلق العلوي من توطئة تاريخية تضع القارئ أمام الإشكال المركزي: كيف أنتج الخلاف المبكر حول الإمامة والسلطة في صدر الإسلام تراكما من الانشقاقات انتهى إلى طيف واسع من الجماعات الشيعية والخوارجية وغيرها، تحمل جميعها بذور الاعتراض السياسي والعقدي في آن واحد. في هذا الإطار يتوقف عند الخلاف بعد الإمام جعفر الصادق ثم بعد الحسن العسكري، وما نتج عنه من بلورة نسق الإمامية الاثني عشرية، مقابل تبلور الزيدية كاتجاه “معارض” آخر يحمل تصورا مغايرا للإمامة وشروطها. هذه اللحظات المفصلية في تاريخ الإمامة تُقدَّم في الكتاب بوصفها نقاط انكسار صنعت “جماعة مخالفة” وأطلقت دينامية “جماعات محذوفة” من السردية المركزية للتاريخ الرسمي
يمنح المؤلف حيّزا خاصا للتحولات داخل التشيع الإمامي نفسه، وما صاحبها من أزمات في البناء العقدي، خصوصا ما يتصل بمسألة الغيبة، واستمرارية السلسلة الإمامية، والتوتر بين الانتظار المهدوي والممارسة السياسية الواقعية. كما يتناول بالنقد الشخصيات المحورية في تشكّل بعض التيارات الباطنية والإسماعيلية، مثل عبد الله بن ميمون القداح، باعتبارها رموزا لانتقال الخلاف من مستوى التأويل العقدي إلى مشروع تنظيمي سري يسعى لتغيير ميزان القوى في المجتمع والدولة. هذا التتبع يسمح للقارئ برؤية كيف أن “الجماعة المخالفة” لم تكن دائما مجرّد انحراف لاهوتي، بل أيضا تعبير عن صراعات على الشرعية والسلطة والثروة ورمزية المقدّس.
الكتاب مكتوب بلغة بحثية مبسطة، تستفيد من التراث التاريخي والكلامي الكلاسيكي ومن بعض الدراسات الحديثة، مع حرص على ربط المادة النظرية بأسئلة اللحظة الراهنة حول التطرّف، والهوية الطائفية، واستعمال الدين في الصراع السياسي. ورغم أن محور العمل تاريخي-عقدي، إلا أن خلفيته واضحة في نقد التوظيف الإيديولوجي للذاكرة المذهبية واستدعائها في النزاعات المعاصرة، ما يمنح النص قابلية للاستثمار الصحفي والتحليلي في تغطية قضايا الشيعة والسنة، والحركات الاحتجاجية ذات المرجعية الدينية. الكتاب صدر عن “المكتبة الوراقة الوطنية” بالمغرب، وغالبا ما يُقدَّم في بعض الفضاءات الثقافية مرفوقا بكتاب آخر للمؤلف حول مراكش وذاكرتها الحكائية، بما يعكس اهتمامه بالتمازج بين التاريخ الاجتماعي والتمثلات الرمزية للجماعات.