إمارة المؤمنين: التزام ديني خارج الحسابات الدبلوماسية (أحمد التوفيق)

أضيف بتاريخ 12/05/2025
دار سُبْحة

أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في فاس بأن معنى الإمامة يتجدد بوصفه مسؤولية دينية وأخلاقية تتجاوز الحسابات الدبلوماسية، وأن جوهر النهج هو بناء جسر دائم بين علماء المغرب ونظرائهم في إفريقيا، قائم على التقوى والمعرفة والإصلاح، ويستمد مشروعيته من خدمة الدين وصون ثوابته.



وأضاف التوفيق، الخميس بفاس في كلمة في افتتاح أشغال الدورة العادية السابعة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، أن الإمامة ليست مقايضة ولا وساطة سياسية، بل التزاماً بثوابت تربط بين العرش المغربي والمرجعيات الإيمانية في البلدان الإفريقية. وتُذكر أن هذه الثوابت المشتركة تتجدد لمواجهة التشويش الذي أصاب العقيدة والمذهب وممارسة الشعائر في عدد من الدول خلال العقود الأخيرة، وما ترتب عليه من اضطراب وتطرف.

وأبرز التوفيق، وهو أيضا الرئيس المنتدب للمؤسسة، أن طرق التصوف تعرضت لتشويش من جهات متعددة، ما استدعى الانتقال من الروابط الروحية وحدها إلى تعزيزها بالعلم والمؤسسات. ومن هذا المنطلق، تُعرض مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، بمقرها في فاس، كإطار يجمع علماء المغرب بنظرائهم في 48 دولة إفريقية ويؤطر التعاون العلمي والدورات التأصيلية والبرامج التضامنية الداعمة للاستقرار الديني والاجتماعي.ويُقدَّم تأسيس المؤسسة باعتباره دعامة لتعزيز حماية الثوابت الدينية وترسيخ التعاون الروحي والعلمي مع دول القارة، ومن أفضال ومكرمات أمير المؤمنين الملك محمد السادس، بصفته ضامناً للأمانات الكبرى وفي مقدمتها حفظ الدين وصون الثوابت الروحية للمغرب ولإفريقيا. كما يُستحضر حرص الملوك العلويين عبر العصور على وشائج الأخوّة الروحية مع إفريقيا، ويتجلى ذلك في اختيار فاس مقراً للمؤسسة تأكيداً للأبعاد الروحية والعلمية للمغرب.

وأشار التوفيق أن عدداً من البلدان الإفريقية تعرض خلال العقود الخمسة الماضية لتشويش خارجي مسَّ العقيدة والمذهب، وبلغ في بعض الحالات حدَّ تغذية التطرف والإرهاب؛ ما أكد الحاجة إلى مؤسسة علمية مشتركة تُعيد تنظيم التعاون وتحصين الثوابت الدينية.

وتُعرض برامج المؤسسة كمسارات عملية: حماية البلدان من التطرف، وتدبير الشأن الديني وفق ثوابت مشتركة، وفي مقدمتها العناية بالقرآن الكريم والحديث الشريف؛ مع تنظيم مسابقات قرآنية، وتوزيع المصحف المحمدي الشريف، والإشراف على مسابقات في حفظ الحديث النبوي الشريف شارك فيها شباب وشابات من القارة.

وفي محور تكوين الأئمة، أبرز التوفيق أن معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات كوَّن حتى الآن نحو 1500 مرشد ومرشدة من الدول الإفريقية، ويُتابع ما يقرب من ألف آخرين تكوينهم داخل المعهد؛ بما يعكس قوة الطلب الإفريقي على النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني.

كما يُذكر أن رؤساء الفروع الإفريقية للمؤسسة عبّروا عن رغبتهم في تنظيم مجال الفتوى في بلدانهم والاستفادة من التجربة المغربية الراسخة، مع تنامي الطلب على إرسال الطلبة للدراسة في المغرب، والاستفادة من الخبرة في تدبير الأوقاف، والاهتمام بتجربة المملكة في تدبير الزكاة عقب الفتوى الأخيرة للمجلس العلمي الأعلى.

وبحسب الكلمة، يتزامن ذلك مع توجيه ملكي بجعل سنة كاملة للاحتفاء بالسيرة النبوية: قيماً وأخلاقاً وشمائل وتطبيقاً عملياً للاقتداء؛ بهدف إصلاح الأحوال واستعادة المعاني العملية للأخلاق النبوية بوصفها رافعة للنهوض والارتقاء في مسارات النمو والازدهار والاستقرار.وفي سياق إصلاح التدين، يُشدَّد على أهمية التعاون في هذه المجالات، وعلى تمثُّل القيم عملياً عبر ما يُسمّى «تسديد التبليغ»، الذي يؤكد أن الانتساب للإسلام لا يكتمل إلا بالتحرر من الهوى ومحاسبة النفس واستحضار الله. وقد وضع العلماء عشر أولويات في هذا المجال، وخصّصوا ثماني خطب للحديث عن «الإيمان» بوصفه محوراً مركزياً يرسخ معنى الالتزام الديني السليم.

كما دعا التوفيق مسؤولي فروع المؤسسة إلى استيعاب رسالة المؤسسة مضموناً وروحاً، وتفعيل ميثاقها على أرض الواقع، مع الحرص على التدبير الحكيم للعلاقات والانفتاح على أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في بلدانهم، والالتزام بالتدبير المالي السليم بما يعزز مصداقية المؤسسة ويقوي إشعاعها القاري.

وتنعقد الدورة العادية السابعة للمجلس الأعلى للمؤسسة على مدى ثلاثة أيام لدراسة ثلاثة محاور كبرى ممتدة لمسار إغناء الحقل الديني والعلمي في إفريقيا: مراجعة وتحديث خطة «تسديد التبليغ» على مستوى الفروع؛ إعداد التصور الشامل والبرامج التفصيلية للاحتفاء بمرور خمسة عشر قرناً على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وسبل تعزيز تنزيل البرامج السنوية الدائمة للمؤسسة على مستوى الفروع.

وبهذا التصور، تُقدَّم إمارة المؤمنين كإطار جامع يواجه التشويش بالفهم الراسخ والعلم المؤصل، ويحوّل الروابط الروحية إلى عمل مؤسسي يخدم إفريقيا والمغرب معاً؛ حيث يُعرض التعاون كفعل ديني أصيل يصون الوحدة العقدية ويحصّن المجتمع من التطرف، ويجعل من فاس نقطة جذب للعمل العلمي الرصين.وفي ختام الدورة، يُنتظر تقديم بيان يتضمن خلاصة الأعمال والتوصيات والتوجيهات العامة للسنة المقبلة؛ بما يعزِّز حضور المؤسسة ورسالتها في خدمة الدين والأمن الروحي بالقارة الإفريقية، بعيداً عن الحسابات الدبلوماسية وبالالتزام بثوابت إمارة المؤمنين.