في خضم صعود الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة، تزداد الأصوات التي تستخدم خطابًا دينيًا أو شبه ديني لوصف هذه الظاهرة التقنية، خصوصاً في أوساط وادي السيليكون. شخصيات بارزة مثل جيفري هينتون، المعروف بـ"عراب الذكاء الاصطناعي"، باتت تحذر من المخاطر الوجودية للذكاء الاصطناعي بأسلوب أقرب إلى "نبوءات الأنبياء" المعاصرين. هينتون نفسه أصبح يشبّه التقنية بقوى "إلهية" يصعب ضبطها، ويطالب بضرورة تحرك المجتمع للضغط على السياسيين من أجل وضع ضوابط أخلاقية وقانونية فعّالة.
ورغم الأصوات العلمية الرصينة، سارعت فئة من قادة الأسواق التقنية إلى تدعيم هذه النزعة "اللاهوتية" من خلال توصيف الذكاء الاصطناعي بعبارات مثل "الذكاء السماوي السحري" أو الزعم بأنه قد يكون تمهيدًا لظهور "المسيح الدجال". وهذا الخطاب يفتح تساؤلات عميقة حول الحدود الفاصلة بين الإيمان والتقنية، وحول" نهاية العالم" الرقمية التي أصبحت خيارًا مطروحًا في النقاشات التقنية والفلسفية الحديثة.
يسود في المقابل موقف نقدي لدى باحثين يعتبرون أن هذه النزعة شبه الدينية تستند إلى رؤية تصف الواقع بنزعة سحرية ونبوءات مأخوذة من الخيال العلمي أكثر منها واقعية. فالنقاش حول "التفريد" (Singularity) أو "التفوق الذكائي" يكتسب أحياناً طابعاً رساليا برجاء خلاص الإنسانية من الشرور؛ بينما يرى آخرون أن هذه الخطابات تنتشر لأنها تدرّ أرباحاً مالية أو تستجيب لحاجة بشرية أصيلة للتفسير والمعنى.
يرى باحثون في التاريخ الديني أن مفهوم "الأبوكاليبس" (نهاية العالم) أصله "الوحي" أو "الكشف"، وليس الخراب فقط، ولذلك تستحضر النقاشات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي نفس هذا الأمل في ولادة عصر جديد محتمل. ويرجح البعض، ومنهم راي كورزويل، أن البشر سيصلون بحلول 2045 إلى مستوى من "الاندماج" مع الذكاء الاصطناعي يجعل الحدود بين الدماغ البشري والتقنية ضبابية تماماً.
هذه الموجة الفكرية الجديدة في وادي السيليكون – التي تزاوج بين الحلم العلمي والنبوءة الدينية – تسلط الضوء على ضعف الحدود الفاصلة بين العقل والروحانية في عصر التحولات الجذرية. يبقى مستقبل الذكاء الاصطناعي مفتوحًا على جميع السيناريوهات، ويظل السؤال الأكبر: هل سيجلب لنا الخلاص أم الهلاك، أم أنه مجرد انعكاس جديد لقدرتنا البشرية على الحلم والخوف وتساؤلات المعنى.