أثار الحكم الصادر بحق الناشطة المغربية ابتسام لشكر، المعروفة بنشاطها في مجال الحريات الفردية، موجة واسعة من الجدل داخل المغرب وخارجه، بعدما قضت محكمة الرباط في الثالث من سبتمبر بسجنها ثلاثين شهراً وتغريمها خمسين ألف درهم، على خلفية تهم تتعلق بـ"الإساءة إلى الدين الإسلامي" طبقاً للفصل 267-5 من القانون الجنائي. تعود القضية إلى صورة قديمة أعيد تداولها على منصة "إكس"، ظهرت فيها لشكر ترتدي قميصاً كتب عليه "الله مثلية"، إلى جانب منشورات وصفت الإسلام بأنه "فاشي" و"ذكوري"، وهو ما اعتبرته النيابة العامة مساساً بالمقدسات، في حين دافعت هيئة الدفاع بأن الأمر يدخل في نطاق حرية الرأي والتعبير المكفولة دولياً. ولشكر، التي تبلغ من العمر تسعة وأربعين عاماً وتعمل كطبيبة نفسية سريرية، من أبرز الأصوات المؤسسة لـ"الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية" أو ما يعرف اختصاراً بـ"مالي". وتعرضت للاعتقال في العاشر من أغسطس، حيث جرت محاكمتها أثناء فترة التوقيف الاحتياطي مع رفض جميع طلبات السراح المؤقت رغم وضعها الصحي الحرج كونها ناجية من مرض السرطان وتحتاج إلى متابعة طبية خاصة.
في مداخلة أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وجه الكاتب والباحث كاظم الغزالي، ممثلاً عن منظمة "مركز الاستقصاء"، انتقادات حادة للحكم على لشكر، معتبراً أن ما قامت به لا يندرج ضمن جرائم حقيقية كاختلاس الأموال أو الاعتداء على الآخرين، بل مجرد فعل رمزي يمثل رأياً مخالفاً. وأكد أن الهدف من مثل هذه القوانين هو تضييق الخناق على الأصوات العلمانية والمعارضة، مشيراً إلى أن اعتماد الفصل 267-5 جاء بعد أحداث "الربيع العربي" في عهد حكومة إسلامية، وهو ما شكل بحسبه تراجعاً عن روح دستور 2011 الذي نص على حرية الفكر والتعبير. وأضاف الغزالي أن مثل هذه التشريعات تقوض صورة المغرب على الساحة الدولية وتضعف مصداقيته الحقوقية، داعياً إلى إلغاء قوانين "ازدراء الأديان" التي وصفها بالأدوات السياسية لتكميم الأفواه.
وقد انضمت منظمات حقوقية دولية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، إلى دعوات المطالبة بإسقاط الحكم، معتبرة أن العقوبة جاءت بمثابة "ضربة قوية لحرية التعبير"، في حين ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه المغرب منذ عام 1979، على حماية واسعة لحرية الرأي. أما عائلة لشكر فأكدت أن الصورة المثيرة للجدل تعود إلى عام 2022 وأعيد نشرها مؤخراً، وانتقدت اعتقالها رغم حاجتها الماسة إلى عمليات طبية ورعاية متخصصة.
تاريخياً، ارتبط اسم ابتسام لشكر بسلسلة من المبادرات الصادمة للرأي العام المحافظ في المغرب، مثل تنظيم "إفطار جماعي" خلال رمضان عام 2009 احتجاجاً على تجريم الإفطار العلني، وتظاهرة "قبلة أمام البرلمان" عام 2013 تضامناً مع مراهقين حوكموا لنشر صورة لهم وهم يتبادلون القبل على فيسبوك. كما أيدت مبادرات دولية لصالح الحق في الإجهاض مثل مشروع "سفينة الإجهاض" الهولندية. هذا المسار جعل منها شخصية مثيرة للاستقطاب، حيث حصدت في الوقت نفسه تأييداً واسعاً في الأوساط الحقوقية ونقداً لاذعاً من المعارضين الذين اعتبروا مواقفها صادمة للثوابت الدينية والاجتماعية.
القضية اليوم تجاوزت حدود المغرب لتصبح نقطة جدل كبرى في النقاش العالمي حول حقوق الإنسان في المنطقة المغاربية، خاصة عند ربطها بحالة الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، المحكوم عليه بالسجن خمس سنوات وهو في الثمانين من عمره، ما يعكس تشابهاً في استخدام تهم "الإساءة إلى الإسلام" كأداة لإسكات المثقفين والمبدعين. ومهما كانت مآلات الاستئناف الذي تنوي هيئة دفاع لشكر تقديمه، فإن المحاكمة تضع تساؤلات حادة حول مدى التوازن بين احترام المرجعية الدينية للدولة وضمان الحريات الفردية ومصداقية التزامات المغرب الدولية، وهو نقاش يتردد صداه اليوم داخل الأوساط الحقوقية والسياسية محلياً ودولياً.