في منظر يتكرر في منازل كثيرة حول العالم: الجد لا يفوت صلاة في المسجد، الأب يحضر المناسبات الدينية فقط، أما الأبناء فيصفون أنفسهم بأنهم "روحانيون لكن غير متدينين". هذا النمط المتكرر دفع باحثين من جامعات لوزان وأكسفورد ومركز بيو للأبحاث إلى دراسة ظاهرة تراجع التدين العالمي بشكل علمي.
كشفت الدراسة الحديثة المنشورة في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" عن نمط متسلسل في تراجع التدين، يبدأ بانخفاض المشاركة في العبادات، ثم يتبعه تراجع أهمية الدين في الحياة اليومية، وأخيراً يضعف الانتماء الديني الرسمي. أطلق الباحثون على هذا النمط اسم "تسلسل المشاركة-الأهمية-الانتماء".
يقول كونراد هاكيت، أحد معدي الدراسة: "نحن نرصد تحولاً في الأشكال المؤسسية للدين، وكيف يؤثر ذلك على القرارات اليومية للأفراد". وتظهر البيانات أن دول العالم تقع في مراحل مختلفة من هذا التحول العلماني.
في أفريقيا، لا يزال الدين يشكل محوراً أساسياً في الحياة اليومية. أما في الأمريكتين وآسيا وأوقيانوسيا، فتظهر علامات التراجع في المشاركة والأهمية، لكن الانتماء الديني لا يزال قوياً. وتبرز أوروبا كأكثر المناطق تقدماً في هذا المسار العلماني.
في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، يبدو النمط مختلفاً: رغم تراجع المشاركة الدينية وأهميتها، يستمر الناس في التمسك بهويتهم الدينية. ويظهر النمط بوضوح أكبر في البلدان المسيحية التقليدية، حيث تتوفر بيانات أكثر شمولاً.
يحذر البروفيسور لاندون شنابل من جامعة كورنيل من تبسيط المشهد: "التغير الديني ليس خطاً مستقيماً نحو العلمنة، بل هو أشبه ببندول يتأرجح بين المؤسسات والأفراد، بين الامتثال والتمرد". ويضيف أن ما يبدو تراجعاً قد يكون عودة إلى ممارسات روحانية أكثر شخصية وتكاملاً مع الحياة اليومية.
وتؤكد الدكتورة جينا زورلو من كلية هارفارد للدراسات الدينية: "العالم لا يزال متديناً بشدة، وسيظل كذلك لفترة طويلة. لكن الدين يتغير باستمرار مع تطور المجتمعات وتقدم التكنولوجيا وتزايد دور المرأة في صنع القرار".




