دعا البابا ليون الثالث عشر المسيحيين في العالم إلى تجديد إيمانهم بالعودة إلى قانون الإيمان النيقاوي، في رسالة رسولية جديدة حملت عنوان «في وحدة الإيمان». تأتي هذه الرسالة في لحظة عالمية مشحونة بالمخاوف من الحروب والعنف والاضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية، حيث يقدَّم قانون الإيمان كمرجعية لاهوتية وروحية ثابتة وسط عالم متقلب
يشدد البابا في رسالته على أن قانون نيقية ليس مجرد نص ليتورجي يُتلى في القداس، بل هو تلخيص مكثف لعقيدة الكنيسة في الله الواحد المثلث الأقانيم، وفي شخص يسوع المسيح «الإله الحق من الإله الحق» و«المساوي للآب في الجوهر». من هذا المنطلق، يدعو المؤمنين إلى عدم الاكتفاء بانتماء اسمي أو ثقافي للمسيحية، بل إلى تجديد فهمهم لهذه العبارات الإيمانية والعيش في ضوئها في حياتهم اليومية وقراراتهم الأخلاقية.
تأتي هذه الرسالة قبل أيام قليلة من أول رحلة للبابا خارج روما، إلى تركيا ولبنان، مع محطة رمزية في إزنيك (نيقية القديمة) بمناسبة مرور 1700 عام على انعقاد مجمع نيقية الأول. هذه الزيارة تمنح البعد التاريخي والروحي بعداً حياً، إذ يعود أسقف روما إلى المكان الذي صيغت فيه إحدى أهم صيغ الإيمان المسيحي، ليؤكد امتداد هذا التراث عبر القرون، وليوجه من هناك نداءً إلى الوحدة بين المسيحيين بمختلف كنائسهم وتقاليدهم.
يربط البابا بين العودة إلى قانون الإيمان وبين مواجهة أزمات الحاضر، معتبراً أن هذا النص «يبقى قلب الإيمان المسيحي» ومعياراً لاستقامة العقيدة في زمن يطغى فيه الارتباك الفكري والنسبيّة الأخلاقية. فوسط «الهموم والمخاوف وتهديدات الحروب والعنف والظلم»، كما يشير في رسالته، يشكل هذا القانون نقطة ارتكاز للمؤمنين، يساعدهم على قراءة الأحداث في ضوء رجاء إيماني لا ينكر واقع المعاناة، لكنه يرفض الاستسلام لليأس.
في خلفية هذا النداء، يظهر أيضاً بعد كنسي ومسكوني واضح؛ فمجمع نيقية الأول يُعد مرجعاً مشتركاً بين معظم الكنائس التاريخية، الكاثوليكية والأرثوذكسية والعديد من الكنائس البروتستانتية. لذلك يمكن فهم دعوة البابا إلى الرجوع إلى قانون نيقية كتذكير بأن الطريق نحو وحدة المسيحيين يمر عبر العودة إلى ما يجمعهم في الإيمان، قبل الانشغال بما يفرّقهم في التاريخ والسياسة والهوية. هكذا يصبح قانون الإيمان النيقاوي، بعد سبعة عشر قرناً، أداة تجديد روحي ورسالة سلام ووحدة في عالم متوتر يبحث عن معنى ثابت وسط العواصف.


