قرر الأمير ألبير الثاني حاكم إمارة موناكو عدم المصادقة على مشروع قانون كان سيشكل تحولاً تاريخياً في المنظومة القانونية للبلاد عبر السماح بالإجهاض في آجال محددة، مفضلاً الإبقاء على الإطار التشريعي الحالي الذي لا يجيز إنهاء الحمل إلا في حالات استثنائية مرتبطة بالخطر على حياة أو صحة الأم، أو في حالات الاغتصاب والتشوهات الجنينية الخطيرة. وبذلك حافظت الإمارة على موقعها ضمن أضيق دائرة من الدول الأوروبية التي لا تزال ترفض السماح بالإجهاض الإرادي على الطلب، إلى جانب دول مثل مالطا وبولندا، رغم موجة ليبرالية متنامية في القارة تدفع في اتجاه الاعتراف بحقوق أوسع للصحة والحقوق الإنجابية.
مشروع القانون الذي صاغه المجلس الوطني لموناكو كان يستهدف تنظيم الإيقاف الطوعي للحمل وفق ضوابط واضحة، من بينها السماح بالإجهاض خلال الأسابيع الأولى من الحمل دون الحاجة إلى تبرير، مع تمديد الآجال في حالة الحمل الناتج عن اغتصاب، إضافة إلى تقليص القيود المرتبطة بموافقة الوالدين بالنسبة للقاصرات. كما اقترح النص إنشاء مسار طبي وقانوني آمن داخل الإمارة، بما يحدّ من اضطرار النساء المقيمات إلى السفر إلى فرنسا أو غيرها من الدول المجاورة لإجراء العملية في ظروف صحية ونفسية قد تكون صعبة، مع ضمان تغطية تكاليف الإجهاض عبر منظومة الحماية الاجتماعية أو المؤسسات الوسيطة لعدم تحويل المسألة إلى امتياز طبقي.
في المقابل، أصر الأمير ألبير الثاني على أن التشريع المقترح لا ينسجم مع الهوية الدينية والثقافية لموناكو، حيث يُعتبر الكاثوليكية دين الدولة ويلعب الخطاب الكنسي دوراً بارزاً في تشكيل الرأي العام وضبط هامش التغيير الاجتماعي. ووفقاً لمقاربة البلاط، فإن الحفاظ على الوضع الحالي – الذي يجرّم الإجهاض من الناحية العملية مع ترك استثناءات طبية وجنائية ضيقة – يمثل نوعاً من “التوازن” بين حماية الجنين واحترام أوضاع النساء، على أساس أن من يلجأن إلى الإجهاض يمكنهن نظرياً القيام بذلك خارج الحدود، دون أن تتحمل المؤسسات الصحية في الإمارة مسؤولية مباشرة عن الإجراء.
هذا الخيار يثير انتقادات حادة من جانب المدافعين عن حقوق النساء، الذين يرون في إبقاء الحظر نوعاً من “التصدير القسري” للمشكلة إلى أنظمة صحية أخرى، وتحويلاً لقرار سيادي إلى عبء فردي يقع بالكامل على عاتق المرأة. فإجبار النساء على السفر يعني عملياً أن من تملك الموارد المالية والشبكات الاجتماعية تستطيع الحصول على خدمة آمنة في دولة مجاورة، بينما تبقى الشرائح الأكثر هشاشة أمام خيارات محدودة، بين حمل غير مرغوب فيه أو محاولات إجهاض غير آمن في الظل، خاصة في الحالات التي لا تتوافر فيها القدرة على التنقل أو الدعم العائلي.
على المستوى الأوروبي الأوسع، يأتي موقف موناكو في لحظة تتجه فيها عدة دول إلى تقنين أوسع لحق الإجهاض، بل وإدراجه ضمن منظومات دستورية أو مواثيق حقوقية كما في النقاشات الجارية حول ميثاق الحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي. ورغم أن موناكو ليست عضواً في الاتحاد، إلا أن استمرارها في تبني خط متشدد يجعلها في تناقض حاد مع الاتجاه السائد في أغلب العواصم الأوروبية، ويطرح أسئلة حول قدرة الأنظمة القائمة على الدين الرسمي والمرجعية المحافظة على التكيف مع تحولات مجتمعية عميقة تخص حرية الجسد واستقلالية القرار لدى النساء.


