في كتابه الجديد «Journal d’un prisonnier» الصادر عن دار فايار، يروي نيكولا ساركوزي كيف أصبحت الصلاة ركيزة يومية وهو يقضي عقوبته في سجن لا سانتي بعد إدانته أول درجة بتهمة «تشكيل عصابة إجرامية». اختار أن يصطحب معه سيرة «يسوع» للمؤرخ جان-كريستيان بوتيفيس، باحثًا عن معنى وميزان داخلي وسط ضيق الزنزانة وضجيج الجدران.
لا يقدّم ساركوزي نفسه كمؤمن نموذجي أو كاثوليكي ممارس بانتظام، لكنه يصف لحظات انكبابه على الصلاة طلبًا للثبات، وشعوره بأن «العناية» ترسله إشارات تواسيه. في صفحات الكتاب، تتردد عبارة يعمل بها كـ«مانترا»: أن يُقاد بالروح لا بمزاج اللحظة، وأن يجد في الإيمان مساحة لالتقاط الأنفاس داخل 12 مترًا مربعًا من العزلة والمهانة.
يسجل أيضًا لقاءاته مع قسيس سجن لا سانتي وتناول القربان للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، وينهي وعدًا بزيارة لورد لخدمة المرضى واليائسين، وهو وعد أوفى به بعد الإفراج، حيث شوهد هناك بصحبة كارلا بروني.
لكن حين تتقاطع السيرة الروحية مع حقل السياسة، تطرح الأسئلة نفسها: أين تنتهي القناعة ويبدأ التوظيف؟ لدى ساركوزي تاريخ طويل من اهتمام علني بالدين ودوره في الفضاء العام؛ من كتابه «الجمهورية، الأديان، الرجاء» إلى تبنيه فكرة «العلمنة الإيجابية»، مرورًا بصيغته الشهيرة عن «العباءة الطويلة للكنائس والكاتدرائيات التي تغطي فرنسا». كما أحاط نفسه في الإليزيه بشخصيات مؤمنة وذات حس كنسي واضح.
هذا الخطاب الديني يعود اليوم بوصفه علامة هوية في يمين فرنسا؛ نجاحات كتب شخصيات مثل فيليب دو ڤيلييه وإريك زمور تعكس موجة تعتبر الإرث المسيحي «موارد للمعركة السياسية». هنا، يرى بعض الباحثين أن كلمة ساركوزي لا تزال مؤثرة لدى شريحة من الناخبين، وأن إشهار الإيمان داخل سردية السجن يمنح اليمين المحافظ مزيدًا من الشرعية الأخلاقية لاستدعاء المرجعية المسيحية في السجال العام.
يعلن ساركوزي أنه لا يعتزم العودة إلى الساحة الانتخابية، لكنه يكتب أيضًا أنه لا يؤيد «الجبهة الجمهورية» ضد «التجمع الوطني»، ما يُقرأ عمليًا على أنه إقرار بفكرة التقارب بين اليمين واليمين المتطرف. بهذا، يسهم في تبديد محرم أخلاقي كان يحول دون اتحاد كهذا، ويُطبع جهرًا التلاقي بين هوية مسيحية محافظة وخيارات سياسية تمينية.
بين صدق التجربة وذكاء التوقيت، يبقى الأثر واحدًا: تحول الإيمان الشخصي إلى عنصر قابل لإعادة التوظيف داخل إستراتيجيات سردية تؤثر في مزاج اليمين وتعيد تعريف العلاقة بين الدين والسياسة في فرنسا. ووسط هذا التحول، يظل السؤال مفتوحًا حول حدود الحرية الداخلية للإيمان حين يصبح أداة إقناع في معركة عامة.


