"ليلة العرس" عند جلال الدين الرومي

أضيف بتاريخ 12/17/2025
دار سُبْحة

​يوافق يوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 ذكرى وفاة المتصوف جلال الدين الرومي سنة 1273 في مدينة قونية بالأناضول، وهي ذكرى تحمل في التقليد المولوي اسم "ليلة العرس". يعكس هذا الاصطلاح رؤية صوفية خاصة للموت، لا بوصفه نهاية بيولوجية أو حدثاً مأساوياً، بل باعتباره لحظة لقاء مع الحقّ ووصولاً إلى غاية السلوك الروحي الذي قضى المتصوف حياته في الاستعداد له



جلال الدين الرومي، الفقيه والواعظ الذي تحوّل إلى شاعر ومعلّم روحي، ارتبط اسمه بالطريقة المولوية وبما يُعرف في الثقافة العامة بـ"الدروايش المولوية" أو "الدروايش المولويين"، الذين يشتهرون بطقس الدوران المصحوب بالموسيقى والإنشاد. هذا الطقس، الذي يحمل بنية رمزية معقّدة، يُقرأ في سياق البحث عن حالة وجدانية وروحية يتجاوز فيها السالك حدود الأنا الضيقة باتجاه معنى أوسع للانتماء إلى المطلق.

الاحتفال بذكرى وفاة الرومي في قونية يتخذ طابعاً دينياً ثقافياً في آن واحد، حيث تُنظم لقاءات إنشاد صوفي وعروض للدوران المولوي، إلى جانب ندوات فكرية وأدبية حول تراثه الشعري والفلسفي. حضور المهتمين من تركيا وخارجها يمنح المناسبة بعداً عابراً للحدود، بوصف الرومي رمزاً لخطاب صوفي يركز على قيم المحبة والمعرفة والبحث عن المعنى، أكثر من تركيزه على الانتماءات الضيقة.

تسمية الذكرى بـ"نُدْبة" أو "ليلة العرس" تعكس قلباً للمفاهيم المألوفة للموت؛ فبدلاً من الحداد الطويل، يبرز التركيز على اكتمال التجربة الروحية عند المتصوف و"عودته" إلى مصدر الوجود الذي تغنّى به في شعره. هذا المنظور لا يلغي واقع الفقدان الإنساني، لكنه يعيد تأويله ضمن أفق يسمّي الموت انتقالاً، ويمنح الحياة اليومية قيمة الاستعداد الأخلاقي والروحي لتلك اللحظة.

من زاوية التقويمات الدينية والثقافية، يمثّل إحياء ذكرى الرومي مثالاً على تداخل البعد الزمني مع الذاكرة الجماعية للطريقة المولوية، بحيث يتحول تاريخ الوفاة من واقعة تاريخية إلى موعد سنوي لتجديد الانتماء الرمزي إلى المدرسة الروحية التي أسّسها. كما يوضح كيف تساهم التقاليد الصوفية في تشكيل تقويم ثقافي خاص داخل العالم الإسلامي، موازٍ للتقويمات الشرعية المرتبطة بالأعياد والصوم، لكنه يستند هذه المرة إلى سير الأشخاص وتجاربهم الروحية وتأثيرهم في المخيال الديني والثقافي المعاصر.