يستعرض كتاب "الضوضاء التي يصنعها الصمت" للباحثة مريم غوشادزه تاريخ تنظيم الضوضاء في مدينة أكرا، عاصمة غانا، مركزاً على الخلافات السنوية بين شعب الجا والكنائس الخمسينية والكاريزماتية حول حظر الطبول في المدينة. يوظف الكتاب هذا النزاع لفهم ديناميكية العلمانية في غانا، ويبرز كيف أن السلطات المحلية والدينية تتعاون بشكل غير رسمي على تنظيم المجال الصوتي، مما يسلط الضوء على دور الديانات التقليدية الإفريقية كلاعب رئيسي في الحياة الحضرية المعاصرة، عوض أن تكون مجرد هامش في السرد الرسمي.
توثق غوشادزه تفاعل آليات تنظيم الضوضاء التي ورثها الجا عن الحقبة الاستعمارية، والتي باتت وسيلة لمواجهة الهيمنة الصوتية للكنائس الجديدة على فضاء المدينة، وتحول الحظر السنوي للطبول إلى عملية معكوسة في إدارة الضوضاء حيث تمارس المجتمعات المحلية سلطة تنظيمية في مواجهة سياسات الدولة من أعلى إلى أسفل. بهذا، يكشف الكتاب عن نوع فريد من العلمانية الغانية، حيث لا تفصل الدولة الدين عن المجال العام، بل تتواصل وتنسق مع القيادات الدينية التقليدية لرسم حدود لما هو مسموع وما يجب إسكاتُه.
يرفض الكتاب التوجه المعتاد إلى هامشية الديانات التقليدية الإفريقية، ويطرحها كعنصر أساسي في فضاءات المدينة وتشكيل هويتها الحديثة، مع تسليط الضوء على صراعات القوى بين الجماعات الدينية المختلفة وتأثيراتها على السياسات الحضرية والثقافية. تستند الدراسة إلى تحليل طقوسي عميق يفكك حركية العلاقة بين الدين والعلمانية ويعيد تقييم التصنيفات السياسة والدينية التي تعتمدها المؤسسات في الدول الديمقراطية الإفريقية.
وعبر هذا المنهج، يدعو الكتاب إلى إعادة التفكير في مفهوم العلمانية، مشيراً إلى أن الدين والثقافة والتراث هي كيانات متداخلة تُدار وتُعرّف ضمن سياسات حضرية معقدة، وأن صوت الديانات التقليدية لا يزال حاضراً ومؤثراً في رسم مشهد المدينة الحديثة.