خلص الباحث حواس سينيغير في كتابه "الله معنا. السابع من أكتوبر وتداعياته" إلى أن غياب الحلول السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي قاد إلى تصاعد توظيف الدين في الخطابين الفلسطيني والإسرائيلي، بحيث أصبحت المرجعية الدينية في السنوات الأخيرة العنصر الأبرز في شرعنة الصراع واستدامة العنف، خصوصاً بعد العمليات في غزة وما تبعها من مواقف إسرائيلية.
بحسب سينيغير، لم يعد حضور الدين رمزياً أو خطابياً، بل تحول إلى ركيزة لتأطير الصراع وتبرير الإقصاء أو العنف. في الجانب الإسرائيلي، يظهر الميل الواضح لخطاب ديني يمنح الشرعية السيادية ويضفي قدسية على الأرض والسياسات العسكرية، خصوصاً مع تبني جماعات اليمين المتطرف وإدارة نتنياهو لهذا النهج، سواء في الداخل أو عند مخاطبة اللوبيات اليهودية الأمريكية. وفي المقابل، يقتبس الفاعلون الفلسطينيون، خصوصاً حماس، من المرجعية الإسلامية ما يبرر أساليبهم في المواجهة، وهي مرجعية تتعزز كلما تراجع المشروع الوطني الفلسطيني وضعفت المؤسسات السياسية البديلة.
يشير الباحث أن حالة الاستقطاب الديني تتفاقم حين ينهار المسار التفاوضي وتفشل مشاريع السلام، فتغدو رهانات الانتماء الديني مشروعاً شبه حصري لإدارة الصراع وتحفيز الشحن العاطفي لدى الجمهورين. ويبرز في هذا السياق، وفق تحليلات سينيغير، كيف ساهمت هذه الديناميات في إقصاء أطياف المعتدلين من الفاعلين، لصالح نماذج من الخطاب التدميري والإلغاء المتبادل؛ إذ تبرز لغة "التطهير" و"الإبادة" و"المواجهة الوجودية"، في تصريحات قادة الطرفين وخطاباتهم الميدانية والإعلامية.
في ظل غياب التسويات السياسية الواقعية، تسعى القيادات إلى استغلال المقدس ليس فقط لأغراض شرعنة القيود المفروضة أو سياسات الحرب، بل لشرعنة مشاريع إقصاء الآخر من المشهد. ويؤكد حواس سينيغير أن الحوار الحقيقي حول طبيعة الصراع لا بد أن يعترف بشكل مباشر بهذا التحول الديني في المنطقة وفي عقل الطرفين، مشيرا إلى أن مستقبل التسوية مرتبط باستعادة المسارات السياسية من قبضة التوظيف الديني الذي ساهم في تعطيل كل حلول وسط ممكنة.