في سياق تداخل الأبعاد السياسية والدينية في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، يوضح أستاذ العلوم السياسية حاوس سينيغير، في حوار موسع مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن استمرار غياب مبادرات سلام واقعية وفشل الأطر الدبلوماسية في إيجاد حلول عادلة دفع الأطراف الرئيسة إلى استدعاء سرديات دينية متشددة في خطاباتهم السياسية والإعلامية. ويلاحظ أن العنف المتصاعد منذ هجمات 7 أكتوبر 2023 وردة الفعل العسكرية الإسرائيلية على غزة ترافق مع حضور كثيف لتبريرات دينية تتجاوز الجانب العقائدي نحو توظيف الدين كأداة لصنع الشرعية وصياغة الهوية والعنف
يشير سينيغير إلى أن حركة حماس تستند إلى خطاب ديني يجعل من الدفاع عن الأرض مهمة مقدسة، مصورة القدس على أنها وقف إسلامي لا يقبل القسمة، وأن إسرائيل بدورها عززت في السنوات الأخيرة حضور المرجعية التوراتية في سياسات حكومتها، مع تصدر سياسيين يهود متشددين تعتبرهم ينفذون مشيئة إلهية ويضفون الشرعية الدينية على عمليات التهجير والتوسع. يرى الباحث أن تأزم الواقع السياسي وغياب التسويات الفاعلة أغرى هذه الحركات والتيارات إلى تبني خطاب ديني متطرف يصنف الآخر كخصم وجودي بناءً على الهوية الدينية والمقدسات بدل فتح مسارات للتعايش أو الحوار.
ويؤكد سينيغير أن تصاعد الطرح الديني العنيف أصبح ينعكس بشكل مباشر ليس فقط على المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، بل يتعدى ليؤثر على المجتمعات الغربية، مستشهداً بفرنسا التي شهدت بعد أحداث أكتوبر تصاعداً ملحوظاً في مظاهر معاداة اليهود والمسلمين واستخدام القضية لاستقطابات داخلية ذات طابع ديني وسياسي. ويربط الباحث هذه الظواهر بانهيار المشروع القومي العلماني في المنطقة وتراجع دور المؤسسات الدولية والوسطاء، مما ترك الساحة مفتوحة أمام الدين ليصبح مرجعية وحيدة في شرعنة العنف والصراع.
يشدد سينيغير على أن تجاوز هذه الحلقة المفرغة وتحجيم توظيف الدين في الصراع يتطلب انخراطاً دبلوماسياً حقيقياً ومواقف واضحة من المجتمع الدولي لكشف وتعرية من يسعى إلى تكريس خطاب الكراهية بإسم الدين. تستند هذه الأفكار إلى الحوار المنشور مع الباحث على موقع «لوموند» بتاريخ 21 سبتمبر 2025، حيث يقدم رؤية نقدية معمقة حول خطورة الشرعنة الدينية للعنف في واحدة من أكثر النزاعات تعقيداً في العصر الحديث.